المخـــــدرات
تعد ظاهرة تعاطي المخدرات من اسوأ الحالات التي تتفشى في المجتمعات الانسانية كافة اذ اصبحت موضع اهتمام اغلب الحكومات والهيئات المعنية وذلك لما لها من تأثير سلبي في المجتمع وما يتبعها من مخاطر تؤدي الى تحطيم المجتمع بأكملة.
وتكمن خطورتها بكونها تسيطر على تصرفات الفرد بشكل كامل, مما يجعله غير قادر على تحمل المسؤولية وكذلك فقدانه لمكانته الاجتماعية حتى بين اهله مع احتمال جعل بعض افراد اسرته مدمنين مثله وذلك من خلال تقليد الاطفال او الاخوة الاصغر سناً لتصرفاته, وفي نهاية الامر يصبح انساناً اخر, اذ تسيطر عليه الافكار السوداوية كونه فقد كل شيء وعندها سوف يصبح لصاً او قاتلاً او يقوم بأي عمل سيء من اجل الحصول على المادة المخدرة وهذا اسوأ ما في الامر.
ويعد العراق بلداً نظيفاً قياساً بالبلدان المحيطة به, ولكن الحصار الاقتصادي الذي فرض عليه وغياب دور الاسرة كانا لهما الاثر الواضح في ظهور العديد من السلبيات ومنها تعاطي حبوب (الهلوسة) او ما يصطلح عليها بـ(الكبسلة) واستنشاق مادة الثنر و(السيكوتين) وبخاصة الاطفال والمراهقين الذين اضطروا للنزول الى الشوارع لمساعدة اهلهم للتخلص من ظروف المعيشة الصعبة.
وشهدت المدة الاخيرة تزايد عمليات تهريب المخدرات وخاصة في المناطق الجنوبية من البلد, اذ كشفت تقارير صحفية موثقة منذ حزيران 2003 عن قيام مجاميع ايرانية واسعة بترويج تجارة المخدرات وخاصة الترياق, وكانت البصرة والعمارة والنجف وكربلاء ومنطقة الكاظمية هي المراكز التجارية الرئيسة لتجارة هذه المادة, ومنها يتم توزيعها الى باقي المحافظات بالرغم من وجود حملات مكثفة لمطاردة المهربين اسفرت عن القبض على بعض منهم, ولكن عمليات التهريب ظلت رائجة كونها تدر ارباحاً خيالية.
وبهدف التعرف على مضار هذه الظاهرة طبياً ونفسياً واجتماعياً كانت لنا هذه اللقاءات.
*يقول الدكتور (عادل حسين): يعد (الفاليوم) من اكثر انواع الحبوب المخدرة انتشاراً اضافة الى مشتقاته التي من ضمنها (الماكدوم) او ما يسمى (ابو الحاجب) لدى الناس الذين يتعاطونه (والريفوتريك) او ما يسمى (ابو الصليب), اما النوع الثاني من الحبوب فهي حبوب الهلوسة وتشمل (الارتين) والباركزول, وتعد ادوية السعال مثل التوسيرام النوع الثالث, اما النوع الرابع من المواد فهي التي تستنشق مثل الثنر والسيكوتين, وهناك انواع اخرى تستعمل في العمليات الجراحية مثل البثدين والمورفين.
*ويضيف: وعند استعمال احد هذه الانواع فان متعاطيها يشعر بالفرح والانتعاش والاسترخاء, اما عند زيادة الجرعة فانها ستفقده السيطرة على تصرفاته فيلاحظ عندها ظهور حالات من الهلوسة واعمال عدوانية تجاه الاخرين, ولهذه المواد تأثيرات صحية على الدماغ مثل الصرع وفقدان الذاكرة وضعف القلب, اذ تسبب عجزه كذلك تسبب تشمع الكبد والتهاب المعدة والامعاء والاعصاب المحيطة بهما فضلا عن رخاوة عضلات الجسم كافة.
وتقول الدكتورة (انتصار كمال) اختصاصية علم النفس:
يمكن تعريف المدمن بانه شخصية قلقة غير مستقرة, مندفعة ومتهورة تميل الى الحزن والعزلة, واغلب المدمنين لا يستمتعون بحياتهم كونهم لا يثقون باحد حتى انفسهم, وفي كثير من الاحيان تسيطر عليهم روح الاستهتار بالاخرين بل يعمدون الى ايذائهم, وبالتأكيد فان هذه التصرفات المؤذية هي تحصيل حاصل لما يتناولونه من مواد مخدرة تجعلهم غير قادرين على السيطرة على تصرفاتهم اليومية التي ولدت لديهم الاحساس بالاحباط النفسي, فاصبحوا في نهاية الامر يعانون من حالة مرضية حقيقية وجب العمل بشكل سريع لمعالجتها والا فانها سوف تفتك بالمجتمع الذي ينتمون اليه.
ويعترف احد المسؤولين في منظمة اليونسيف بان (اطفال الشوارع) يمثلون مشكلة كبيرة وخطرة ويعد الاعتراف بوجودها اولى الخطوات لحلها, فبعد سقوط النظام السابق ازداد تهريب المواد المخدرة باصناف وانواع جديدة وخطيرة, وادت حالة الفوضى والانفلات الامني الى ظهور عصابات منظمة لتهريب هذه المواد وترويجها, ووصلت هذه المواد الى بعض المقاهي الشعبية التي تعاملت بها واصبح لها زبائن دائمون, بل حتى ان بعض القاعات الرياضية تعاملت ببعض منها.
ويقول الباحث الاجتماعي (ضرغام محمد):
*لقد ازداد اطفال الشوارع في السنوات القليلة الماضية بشكل يثير الانتباه وراحوا يمارسون اغلب اشكال الانحراف فنراهم في اغلب الاحيان يمارسون التسول وغسل السيارات وكذلك السرقة وغيرها من الاعمال التي لا تليق بهم كاطفال, وهم موجودون بشكل منظم في المرائب حيث يزداد الزحام وكذلك في الاشارات الضوئية والاسواق الشعبية وفي كل الاماكن التي يكثر فيها تواجد الناس, ويعودون الى بيوتهم في ساعات متأخرة من الليل, والشيء المخيف في الامر هو استغلالهم من العصابات المتخصصة في ترويج المخدرات او استغلالهم لاغراض مختلفة اخرى.. عندها سيكون لدينا جيل متفكك –ومازال الحديث للباحث- اذا لم تقم الدولة متمثلة بالجهات الامنية او الجهات المسؤولة بمعالجة هكذا امور, فدور هذه الجهات يعتمد اساساً على مساعدة المواطنين اياهم.. كذلك فان لمراقبة الحدود الدور المهم في معالجة انتشار هذه الظاهرة.
وتعد العائلة الجهة الاولى في متابعة ابنائها, اذ ان التزام الاب والام بالقيم الاخلاقية سيجعلهم يبحثون عن المبادىء الصحيحة لتنشئة اطفالهم وحرصهم المستمر والدقيق الذي سينعكس على الاطفال مما يجعلهم يحسبون الف حساب قبل ارتكاب الخطيئة وهذه الحسابات نابعة من كونهم تعلموا القيم السليمة من قدوتهم الاب والام.
ويضيف الباحث: كذلك المراقبة الدائمة من دون فرض قيود صارمة وتعليم الابناء الابتعاد عن اصدقاء السوء وتأكيد مسألة التفريق بين العمل الحسن والسيء.
ومن المفيد التذكير هنا والاشارة بالقرار الذي عمدت اليه الدولة اخيراً وذلك بعودتها الى العمل بعقوبة الاعدام والاحكام المؤبدة, بعد ان تم تعطيل هذه العقوبات, اذ يبدو من الامور الاجرائية السليمة مراعاة الظرف الآني الخاص للبلد والتحكم بالقانون وبنوده مؤقتاً بالاتجاه الذي يخدم سلامة الشعب والوطن, وتبقى قائمة الاسباب والمعالجات طويلة لكن دور العائلة سيظل اهم دور في معالجة هذه الظاهرة الجديدة على مجتمعنا.